يعد استخدام التعزيز لتغيير السلوك من أهم المبادئ الأساسية للتحليل السلوكي التطبيقي (ABA). وفي الواقع، تمثل فكرة استخدام المكافآت أو المدح مقابل السلوك الإيجابي، مثل المساعدة في الأعمال المنزلية أو التصرف بشكل جيد في السوق، أسلوبًا معروفًا لدى الآباء في مختلف أرجاء العالم.
أما بالنسبة للأطفال المصابين بالتوحد أو تأخر النمو، فلا تكون العلاقة بين السلوك والمكافأة واضحة أحيانًا، خاصة إذا لم يمروا بموقف مشابه من قبل. ونتيجة لذلك، علينا في الكثير من الأوقات تكرار النتيجة (ربط المكافأة بالسلوك المرغوب) عددًا من المرات حتى يصبح سلوكًا متعلمًا.
وفي التحليل السلوكي التطبيقي لا يتم العمل على إيجاد سلوكيات جديدة فحسب، بل “التخلص” من مشكلة سلوكية موجودة أصلًا.
دراسة حالة: زيارة الطبيب
لقد عالجنا في مركزنا مؤخرًا طفلًا يخاف بشكل كبير من زيارة الطبيب، ويصاب بنوبات غضب وصراخ عند زيارته. وقالت أمه أنه تخاف اصطحاب طفلها إلى الطبيب لأنها تعلم مدى صعوبة ذلك بالنسبة له. وكنا نعلم أن القدرة على زيارة الطبيب بلا خوف سيعزز بشكل كبير من صحة الطفل وحياة أمه، لذا وضعنا برنامجًا للعلاج يستهدف هذا بشكل رئيسي.
ولتحقيق ذلك، قام الأطباء النفسيون بوضع برنامج للتخلص من التحسس يعزز الاقتراب من المهارات/السلوكيات التي على الطفل للقيام بها في عيادة الطبيب. وقد تطلب الأمر 8 أشهر من التدريب اليومي، إذ كان هناك العديد من المراحل التي كانت تخيف الطفل خلال زيارة الطبيب، بدءًا من ركوب السيارة للذهاب إلى العيادة وحتى الجلوس في غرفة الانتظار وفحص الطبيب له.
وكان يجب مواجهة كل من محفزات الخوف على حدة. وقد تدرب أطباؤنا النفسيون على أنشطة زيارة الطبيب المعتادة معه، مثل ارتداء المعطف الأبيض وقياس درجة حرارته وضغط دمه، والاستماع لدقات قلبه، وفحص عينية واستخدام خافضة اللسان لتفحص حنجرته. وانتقلنا به من مجرد لمس الأغراض إلى تحمل استخدامها لفحص نفسه، مع استخدام التعزيز بأغراضه المفضلة والمديح الاجتماعي. وقد ساعدته الإشارات البصرية لفهم الأنشطة التالية المتوقعة (الخطوات التالية في السلسلة) لتعزيز إحساسه بالسيطرة والهدوء. وسررنا جدًا لعودة الأم إلى المركز بعد عدة أسابيع لإخبارنا أن طفلها يستطيع الآن زيارة الطبيب دون أي صعوبة.
نصائح للأهل والأطباء
رغم طول هذا العلاج، إلاّ أنه يقدم مثالاً رائعًا على كيفية استخدام التحليل السلوكي التطبيقي للتعزيز الإيجابي للتعامل مع كافة المشاكل السلوكية، سواء كانت صغيرة أو كبيرة، والتي قد تؤثر على حياة الطفل والعائلة بشكل سلبي. إذا كنت تمر في برنامج علاج مشابه، إليك بعض النصائح الأساسية التي ستساعدك في الحصول على النتائج المطلوبة بأسرع وقت ممكن.
النصيحة الأولى: الاستعداد عن طريق تحديد التوقعات
عندما يتعلق الأمر بالتعامل مع السلوكيات باستخدام التعزيز الإيجابي، فإن التوقعات أمر أساسي. يجب أن تكون المحفزات واضحة في ذهنك، وإخبار طفلك بها، خاصة قبل المواقف الصعبة.
لا تخف من تكرار كلامك، فقد يحتاج طفلك للتكرار عدة مرات لربط هذه المعززات الإيجابية بتلك المهارات الجديدة التي يتعلمها. إذ تعد عملية تقديم التعزيز الإيجابي أهم أبعاد استخدام هذا التعزيز. وسيساعدك محلل السلوك في كيفية تقديم المعزز بأفضل الطرق. ومن المهم المحافظة على الاتساق والوضوح فيما يتعلق بالقواعد، والتمتع بالشفافية مع الطفل. كما عليك النظر في إخبار أفراد العائلة أو أي فرد يتواصل مع الطفل بشكل منظم للتأكد من معرفتهم للخطة وعدم تخريبهم لها (مثل إخبار الجدة.)
النصيحة الثانية: التنفيذ بثبات
لن تنجح هذه الطريقة إذا تم تطبيقها بشكل متقطع، لذا فمن المهم الالتزام بالقواعد التي حددتها لنفسك ولطفلك فيما يتعلق بالتوقعات وكيف سيتم تعزيزها. ويعني ذلك مقاومة الرغبة بإعطاء طفلك ما يرغب أو تجاهل سلوك (غير خطر) ترغبين بتوقفه عن القيام به. يؤثر رد فعلك تجاه نوبات الغضب على احتمالية حدوث هذه النوبات في المستقبل. لذا فالثبات أمر مهم جدًا.
تذكري، لا بد لك من التعزيز الإيجابي للسلوك الذي تريدين تشجيع طفلك عليه، مثل أن يبذل جهد لكي يهدأ، لذا لا تتنازلي عن القواعد إذا لم تحصلي على الاستجابة الصحيحة. وإذا شعرتي بأن الأمر لا يجدي نفعًا، فقد يعني ذلك أنه لابد من تغيير التوقعات ولا بأس بذلك، قومي فقط بمتابعة هذه الحالة وتذكري أن تلتزمي بالقاعدة في المرة الثانية. سيؤدي تراجعك إلى خطر خسارة الأثر للمحاولات المستقبلية والذي يجعل من التصرف السيء أكثر احتمالاً.
النصيحة الثالثة: استخدام مزيج من الإشارات اللفظية والبصرية لإيصال تعزيزك
من الخطوات الأولى الجيدة لتقديم الآباء للمكافآت لأطفالهم المصابين بالتوحد العمل مع متخصص لإجراء تقييم مناسب للتفضيل لتحديد مجموعة من الأغراض/الأنشطة التي تحفز طفلك. وعادة ما يكون المعزز المفضل لدى طفلك في بداية الأمر طعامه المفضل. ويجب اعتبار استخدام الطعام إن لزم ذلك حلًا مؤقتًا واستبداله بأغراض/أنشطة أخرى تتحول أيضًا إلى معززات اجتماعية مثل المديح والابتسامات والعناق.
ويمكن استخدام التعزيز الإيجابي للمساعدة في التعامل مع كافة أشكال السلوك غير المرغوب، ولكن لا تنسي أن الأمر يختلف من طفل إلى آخر ومن حالة إلى أخرى، وكذلك الحال بالنسبة للعلاج ليكون فعالًا. وبذلك، فإن من المهم التعاون مع مقدم علاج التحليل السلوكي التطبيقي لضمان استخدام أكثر الأساليب فاعلية لطفلك.