هل نحتاج فعلاً إلى تغيير أطفالنا الهادئين؟ إليك طريقة للتعامل مع الخجل، ولماذا يُعد الأطفال الخجولين رائعين.
لقد كان أول يوم في برنامج رياض الأطفال الجديد، وكانت المعلمة تقود مجموعة من الأطفال في عملية إحماء صاخبة. جلس ابني سيث، البالغ من العمر ثلاثة أعوام بهدوء وراقب الأطفال الآخرين وهم يصرخون بالإجابات. عندما لاحظت المعلمة أن ابني لا يشارك، فصلته عن الآخرين وحاولت إقناعه بالمشاركة.
وفي ذلك الوقت تدخلت وقلت: “في الحقيقة، إنه سعيد بالاستماع لأصدقائه”، كطريقة لإعادة توجيه انتباهها ولجعل طفلي يُدرك أنه لا بأس بألا يتكلم. في أحد الأوقات كنت على وشك دفعه للإجابة، حتى عندما عرفت أن ذلك لن يجدي، فلقد خشيت أن تؤثر شخصيته الانطوائية في الطريقة التي ينظر بها الناس إليه. شعرت بالغيرة من ذوي الأطفال المنفتحين؛ وشعرت برغبة في أن يعرف الجميع أنه طفلي رائع أيضاً، فلقد كنت خائفة من أن يفوّت فرصة أن يكون جزءًا من المرح.
إننا نعيش في مجتمع يعول كثيراً على الأُناس المنفتحين، لذلك عندما وجدت نفسي مع طفل يمتلك شخصيةً مناقضةً تمامًا، عرفت أنه من المهم أن نتعلم كيف ندعمه. ومع ذلك، فلم يكن هذا الأمر سهلاً، فلطالما شعرت أنني في موضع مساءلة عندما كان سيث يتردد في الاستجابة لأسئلة البالغين، أو عندما كان يتراجع عن المشاركة في الأنشطة.
ولكن الأمر لا يجب أن يكون على هذا النحو، فقد يجعل الوالدان من تلك المواقف فرصًا لجعل أطفالهم الهادئين يعرفون بأنه لا بأس في قلة الكلام ما داموا مرتاحين لذلك. لا تبحث جيني هيل من كالجاري، والدة جاكلين البالغة من العمر ستة أعوام، وأندرسون أربعة أعوام، عن أعذار لخجل ولديها. تقول جيني: “لقد كنت طفلة خجولة، لذلك فإنني أفهم كيف يكون الحال عندما لا يتفهم الناس ذلك”. إنها تشجع أطفالها على إخبار الآخرين بأسمائهم، إذا ما سئلوا عنها، ولكنها ترى أيضًا أنه لا بأس في أن تعيد إجاباتهم، إذا ما خرجت الكلمات منهم بهدوء.
تقول المعالجة النفسية، ومشرفة الأبوة والأمومة، أندريا نير من لندن، إنه على الآباء أن يتخلصوا من إصدار الإحكام والشعور بالعار، وتضيف قائلة: “لا تصفي طفلك بالخجول، ولا تجعليه يشعر باستياء نحو الأشياء التي لا يقوم بها”. كما تقترح أن تساعدي طفلك على تجذير طبيعة أكثر انفتاحًا، وأن تجعليه يعرف أنك تفهمين مشاعره.
يتفق مايكل ريست، وهو معلم متقاعد، ومستشار ومؤلف لثلاثة كتب حول الأطفال والمدارس مع هذا الكلام، فهو يعتقد بأننا يجب أن نوجه تركيزنا بعيدًا عن محاولة تغيير شخصية الطفل الهادئ.
يقول مايكل: “عندما يحاول الوالدان أو الأشخاص البالغين الآخرين أن يصححوا خجل الطفل، تصل للطفل رسالة أنه لا يصلح لشيء، وبدلاً من ذلك علينا أن نعلمه أنه لا بأس بأن يكون مختلفًا عن الآخرين”.
تقول سوزان كين: “يجب على الأبوين ألا يبالغا في حماية الأطفال الهادئين، ولكن عليهم أن يفهما أن أمام هؤلاء الأطفال طريق طويل قبل أن يشعروا بالراحة الكافية للانطلاق”. سوزان هي صاحبة الكتاب الأكثر مبيعاً، والذي يحمل عنوان: (هادئ: قوة الانطوائيين في عالم لا يتوقف عن الكلام)، والذي يتناول ميل الثقافة الغربية للتقليل من قيمة الانطوائيين.
تقول كين في كتابها إن ثلث الناس انطوائيون، وهم الأشخاص الذين يفضلون الاستماع أكثر من الكلام، ولكن هذه الشخصية تصاحبها العديد من السمات الأخرى، مثل الابتكار والإبداع والحساسية، والتي قادت أشخاصًا لتقديم مساهمات عظيمة للمجتمع. (من أشهر الانطوائيين ألبرت آينشتاين وجي كي رولينغ والدكتور سويس).
اتبعت جيني أو برايان هذا النهج في تربية ابنتها الانطوائية إيما، وبات واضحًا أن المدرسة كانت مرهقة جدًا بمجرد التحاق إيما برياض الأطفال.
تقول الأم “إن إيما كانت متحفظة جدًا وكانت ترفض التحدث مع الآخرين، واستغرقها الأمر ستة أشهر للتحدث إلى المعلمة، وحتى في ذلك الوقت لم يكن كلامها سوى همسًا”.
قررت أو برايان وزوجها أن يبدآ التعليم المنزلي خلال مرحلة رياض الأطفال، بينما يشجعان إيما على المشاركة في نشاطات لا منهجية ضمن مجموعات صغيرة. بدأت إيما بتوسيع نطاق تجاربها، وما إن كبرت، وأصبحت أكثر ثقة، حتى التحقت بمدرسة ثانوية عادية. والآن، بعد أن بلغت تسعة عشر عامًا، أصبح لديها أصدقاء كثر، وسافرت خارج البلاد وحدها، وأنهت مؤخرًا سنتها الأولى في الجامعة.
يقول ريست إنه بإمكان الأبوين أن يساعدا أطفالهما على توسيع نطاق حدودهم، بينما يُبقون على احترامهم لطبيعتهم من خلال استخدام استراتيجيات محددة للتعامل مع المواقف المجتمعية المرهقة نفسيًا، ويضيف: “على سبيل المثال أخبري ابنك مسبقًا أنه لا بأس في أن يحضر كتابًا إلى الحفلة التي تقيمها الجدة، ولكن عندما يحين الوقت لغناء “عيد ميلاد سعيد” فعليه أن يتقدم ويشارك الجميع”.
تقترح بير أيضاً التخطيط المسبق من خلال وضع الأهداف، مثل القدرة على الابتعاد عن الوالدين خلال الحفل وخطة عمل لتحقيق هذه الأهداف.
تستخدم هيل استراتيجيات محددة السياق للتعامل مع خجل أطفالها، مثل التأكد من أنهم أول من يصل إلى التجمعات. تقول هيل: “عندما تمتلئ الغرفة، فإنهم يشعرون بالراحة نحو محيطهم، وهذا غير مرجح إذا ما دخلوا بأنفسهم”.
سوف يتعلم الأطفال الأكثر انطوائية كيف يغيرون شخصياتهم في مواقف اجتماعية معينة كطريقة للتأقلم-وخاصة خلال مرحلة البلوغ، عندما تصبح العلاقات الندية أكثر أهميةً. تقترح ريست أن نشجع الطفل الخجول على البحث عن قدوة ونراقب الطريقة التي يتعامل بها مع الآخرين. ويمكن للآباء أن يكونوا تلك القدوة. يقول ريست: “أري طفلك كيف تتفاعلين مع الناس في الحياة اليومية، مثل محل البقالة أو مع العائلة والأصدقاء، واجعليه يسعى جاهدًا لفعل أمر مماثل”.
يتقن العديد من الانطوائيين ما تصفه كين بالتظاهر بأنهم منفتحين بمجرد وصولهم لسن البلوغ. يقول ريست أنه عندما يتعلق الأمر بالأطفال الانطوائيين، فإنه يستخدم مفهوم التظاهر بشخصية أخرى لمساعدة الشخصية الهادئة على تلبية متطلبات حالات الاستنفار.
ولكن يتفق ريست ونير على أنه حتى مع تفعيل آلية التأقلم، فمن المهم أن نذكر الطفل الانطوائي أنه لا بأس بأن يرجع إلى الهدوء، عند الحاجة لذلك.
يقول ريست: “عندما يأتي هؤلاء الأطفال لحياتنا، فعلينا أن نقدم لهم عناية خاصة. إنهم ليسوا مختلين أو ناقصين، في الواقع فإن حساسيتهم هدية عظيمة”.
يبلغ عمر طفلي الآن تسعة أعوام، وقد قطع شوطًا طويلًا ومع أنه ما زال يميل إلى الهدوء في بعض المواقف الاجتماعية، إلا أنه يشارك بسعادة في الأنشطة اللامنهجية ويستمتع فعلاً بقربه من أطفال آخرين. ما زلت أقلق في بعض الأحيان، ولكنني أرى فيه العديد من الصفات التي تشكل جزءًا من شخصيته، ولأننا نقدم له الدعم الذي يحتاجه ليكون على طبيعته، فإننا ندرك بأنه سيكون على ما يرام، بل وسيكون رائعًا.
تقول كين: “يشعّ كل شخص إذا ما أعطي الإضاءة الصحيحة”، وتضيف قائلة بأن البعض يحتاجون لضوء قوي، بينما يحتاج آخرون لضوء خافت.
كيف يكون الخجول خجولاً جداً؟ تقول نير إنه بالنسبة لبعض الأطفال، فإن الخجل يعني أكثر من الشخصية الانطوائية. إذا لم تظهر طفلتك تقدماً في التغلب على خوف معين، أو باتت تبكي في الوقت غير المناسب، أو تعزل نفسها دائمًا عن الآخرين، أو كانت تظهر ردود فعل انفعالية متكررة، فقد يتبين أنها تعاني من اضطراب القلق الاجتماعي ويجب أن تحصل على المساعدة من اختصاصي.
المقال الأصلي بقلم الصحافية لويس غليسون.