بقلم الدكتور ريتشارد سول
لقد وجدت على مدار مسيرتي المهنية أكثر من 20 حالة قد تؤدي إلى ظهور أعراض اضطراب نقص الانتباه مع فرط النشاط، وتتطلب كل منها نهجًا خاصًا لعلاجها. ولا يكمن الحل في تربية جيل من الأطفال – والبالغين الآن –الذين لا يستطيعون العيش بدون منشطات.
أشارت مقالة نُشرت في صحيفة نيويورك تايمز بأن عدد البالغين الذين يتناولون أدوية لعلاج اضطراب نقص الانتباه مع فرط الحركة ازداد بنسبة 53 بالمائة خلال الفترة ما بين 2008 و2012، كما تضاعف المرض بين الأميركيين البالغين. وفي حين تعد هذه الإحصائيات إحصائيات مذهلة ونقاط تحول للأجيال الشابة التي باتت تعتمد على المنشطات، إلا أنني وبصراحة لست متفاجئًا، فخلال مسيرتي المهنية التي تجاوزت الخمسين عامًا في مجال علم الأعصاب السلوكي ومعالجة المرضى الذين يعانون من هذا الاضطراب، لم أرى مثل هذا الارتفاع الشديد في تشخيص هذه الحالة. وأرى وزملائي كل يوم المزيد من الناس الذين يأتون إلينا ويدعون أنهم يجدون صعوبة في الانتباه داخل المدرسة أو في العمل ويشخصون أنفسهم قائلين إنهم يعانون من هذا المرض.
ولم يتوجب عليهم ألا يفعلوا ذلك؟
إذا وجد أحد الأشخاص صعوبة في الانتباه أو شعر بأنه مفرط النشاط، فتلك أعراض ارتبطت بهذا المرض. ويظلذلك التعبير لقمة سائغة توفر الوقت على الأطباء ليقدموا تشخيصهم ويمضون، ولكن هل يمكننا فعلاً أن نخلط جميع هؤلاء الناس معاً؟ ماذا لو كان هناك أشياء أخرى تجعل الناس يشعرون بأنهم مشتتين؟ أنا لا أنكر أننا، بوصفنا سكانًا، نعاني من تشتت الانتباه أكثر من أي وقت مضى، ولا أنكر أيضًا أن بعض هؤلاء المرضى الذين يعانون من التشتت والتسرع يحتاجون إلى المساعدة. ولكن ما أنكره هو التعريف المتداول لاضطراب نقص الانتباه مع فرط النشاط، والذي حل وقت تحديث تعريفه منذ وقت طويل. باختصار، لقد توصلت لاعتقاد مبني على عقود من معالجة المرضى الذين يعانون من هذا الاضطراب، وهو أن المرض –بتعريفه الحالي الذي وُضعه الدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات النفسية، وكما يتصوره العامة – غير موجود.
اسمحوا لي أن أشرح ما الذي أعنيه؛
منذ عام 1937، عندما اكتشف الدكتور تشارلز برادلي أن الأطفال الذين يُظهرون أعراض نقص الانتباه وفرط النشاط استجابوا بشكل جيد لعقار بنزدرين، وهو دواء محفز، ونحن نفكر في هذا المرض بنفس الطريقة تقريبًا. وبعد فترة وجيزة من اكتشاف برادلي، بدأ المجتمع الطبي بتشخيص الأطفال الذين يظهرون مثل هذه الأعراض على أنهم يعانون من اختلال وظيفي بسيط في الدماغ ويعالجونهم بمحفزات الريتالين والسيليرت. ولجأ الدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات النفسية إلى تغيير التصنيف مرات عدة، من رد فعل فرط الحركة خلال مرحلة الطفولة إلى التصنيف بشكله الحالي، في حين استغرق الأمر حتى عام 1980 ليقوم الدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات النفسية الثالث بتصنيف البالغين الذين يعانون من هذه الحالة. ولكن بغض النظر عن التصنيف، فقد كنا نعطي المرضى أنواعًا متعددةً من الأدوية المحفزة لإخفاء الأعراض. وربما يعتقد البعض أننا قد نغير طريقة تفكيرنا بعد عقود من التطورات في علم الأعصاب.
والآن، تتطلب النسخة الخامسة من الدليل أن يُظهر الشخص خمسة من الثمانية عشر عرضًا المحتملة حتى يكون مرشحًا لأن يتم تشخيصه بهذا الاضطراب. إذا لم تكن قد رأيت القائمة من قبل، فابحث عنها، وغالباً ما سوف تزعجك. كم منا يستطيع القول بأنه يعاني من صعوبة في التنظيم أو أنه يميل إلى فقدان الأشياء، أو أننا ننسى في كثير من الأحيان أو أننا مشتتون أو أننا غير قادرين على إيلاء اهتمام كبير نحو التفاصيل؟ بموجب هذه المعايير غير الموضوعية، سوف نجد بأن جميع الشعب الأمريكي قد يكون مؤهلاً وبشدة لأن يُشخص بهذا المرض. لقد مررنا جميعنا بهذه اللحظات التي تعد جزءًا طبيعيًا من حالة الإنسان إذا ما حدثت بكميات معتدلة.
ومع ذلك، فثمة بعض الحالات التي تكون فيها أعراض نقص الانتباه شديدة كفاية بحيث يحتاج المرضى إلى المساعدة الفعلية. لقد وجدت على مدار مسيرتي المهنية عشرين حالة قد تؤدي إلى حدوث أعراض اضطراب نقص الانتباه مع فرط النشاط، وتحتاج كل منها إلى منهج خاص للعلاج. تشمل هذه الحالات على سبيل المثال أمراض النوم، ومشاكل الرؤية والسمع التي لم يتم تشخيصها، والإدمان على بعض المواد وتحديداً الماريغوانا والكحول، ونقص الحديد وأنواع الحساسية وخاصة الحساسية التي تسببها مواد محمولة جواً وحساسية الغلوتين، والاكتئاب ثنائي القطب والاكتئاب الشديد والوسواس القهري، وحتى صعوبات التعلم مثل عُسر القراءة. ويمكن لأي شخص يعاني من هذه الأمور أن يلبي معايير اضطراب نقص الانتباه مع فرط الحركة التي حددها الدليل التشخيصي للاضطرابات النفسية، ولكن المنشطات ليست الطريقة المُثلى لعلاجهم.
قد تتساءل ما هو السيء بالنسبة للمنشطات؟ ويبدو أنها تُساعد الكثير من الناس، أليس كذلك؟ وبالعودة إلى المقالة التي نشرتها نيويورك تايمز، فإنها تذكر أن الأدوية يمكن أن تخفف من الأعراض المميزة مثل عدم الانتباه الشديد وفرط النشاط، إلا أنها تنطوي على مخاطر مثل الحرمان من النوم وضعف الشهية وفي بعض الحالات النادرة قد تؤدي إلى الإدمان والهلوسة، وما هذا إلا جزء صغير فقط من الصورة.
أولاً، لا يُعد الإدمان على الأدوية المنشطة أمرًا نادراً، بل هو أمر شائع، إذ إن قدرة الأدوية على التسبب بالإدمان واضحة، وليس علينا إلا أن نراقب العديد من المرضى الذين يضطرون لزيادة الجرعة دوريًا إذا أرادوا التركيز لمعرفة ذلك. فالجسم سيتوقف عن إنتاج الكميات المناسبة من الناقلات العصبية التي تحل محلها أدوية علاج الاضطراب، وهو علامة مميزة للأدوية التي تسبب الإدمان. يساورني قلق بشأن جيل من المواطنين الأميركيين الذين لن يتمكنوا من التركيز بدون هذا الدواء. وتتفهم شركات الأدوية الكبرى هذا الأمر جيدًا ولكنها ليست قلقة.
ثانياً، هناك العديد من الأعراض الجانبية لأدوية هذا الاضطراب، والتي لا يعلم عنها معظم الأشخاص، وهي تشمل زيادة القلق وسرعة الانفعال أو المزاج المكتئب، ونزول الوزن الحاد بسبب ضعف الشهية وقد يصل الأمر إلى الرغبة في الانتحار. ولكن ثمة أيضًا بعض العواقب غير المعروفة، فقد أشار بعض المرضى إلى حدوث ضعف في الانتصاب أثناء تناولهم للمنشطات.
ثالثاً، تكون المنشطات فعالة في العديد من الحالات على المدى القصير، ولكن بالنسبة لأولئك التي تسبب لهم حالتهم الأساسية الشعور بالتشتت، يكون وظيفة الأدوية فقط مثل الضمادات في أحسن الحالات، مما يؤدي إلى إخفاء وفي بعض الأحيان مفاقمة أسباب المشكلة.
من وجهة نظري، هنالك نوعان من الأشخاص يتم تشخيصهم باضطراب نقص الانتباه مع فرط النشاط؛ النوع الأول هم الأشخاص الذين لديهم مستوىً طبيعيًا من التشتت والتهور، والنوع الثاني هم الأشخاص الذين يعانون من حالة أخرى أو مرض آخر يحتاج إلى علاج منفرد.
بالنسبة لمرضاي الذين يقعون ضمن الفئة الأولى، فإنني أوصيهم بتناول طعامهم بالطريقة الصحيحة، وأن يلتزموا بممارسة التمارين، وأـن يحصلوا على ثمان ساعات من النوم الجيد، وأن يقللوا من تناول الكافيين خلال فترة ما بعد الظهر، وأن يراقبوا استخدام هواتفهم الخلوية خلال العمل، والشيء الأهم هو أن يفعلوا شيئًا يشعرون بالحماسة تجاهه. ثمة العديد من الأطفال الذين يسيئون التصرف، لأنهم لا يشعرون بالتحدي الكافي في غرفة الصف، أو البالغين غير المقتنعين بوظائفهم أو أعمالهم، أو آخرين غير منخرطين في هواية ذات معنى، مما يقودهم إلى الإحساس بالملل والاكتئاب والتشتت. بالإضافة إلى ذلك، تضغط المعايير الحالية العالية على الأطفال والبالغين حتى يكون أداؤهم أفضل ولمدة أطول في المدرسة والعمل. وغالباً ما يزورني مرضى يتمنون أن يناموا لأكثر من أربع ساعات كل ليلة بمساعدة المنشطات، ولكن هذا شيء خطير وغير صحي وأسلوب حياة غير صحي على المدى الطويل.
أما بالنسبة للفئة الثانية من مرضاي الذين يعانون من مشاكل كبيرة في الانتباه، فأنا أطالبهم بإجراء تقييم شامل، حتى يتمكنوا من إيجاد مصدر المشكلة. عادة ما تحتفي أعراض اضطراب نقص الانتباه مع فرط الحركة بمجرد التعرف على الحالة الرئيسة وعلاجها.
لقد حان الوقت لإعادة التفكير في هذه الحالة والعمل على تقديم تشخيص شامل ومساعدة الناس على الحصول على العلاج الصحيح لنقص الانتباه وفرط النشاط.
الدكتور ريتشارد سول هو أخصائي في طب الأعصاب السلوكي في ولاية شيكاغو.